الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل على المعنى لأن الكثرة المذكورة وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ولا ملابسة كما هو مقتضى البدلية لكن لما كان ذلك في معنى الذين أهلكناهم وأنهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال أو بدل كل من كل قاله الخفاجي: وأفاد صاحب الكشف على أنه من بدل الكل بجعل كونهم غير راجعين كثرة اهلاك تجوزا، وعندي أن هذا الوجه وإن لم يكن فيه إبدال مغرد من جملة وتحقق فيه مصحح البدلية على ما مسعت ولا يخلو عن تكلف، وسيبويه ليس بنبي النحو ليجب اتباعه.وقال السيرافي: يجوز أن يجعل {أَنَّهُمْ} الخ صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم لا يرجعون أي بهذا الضرب من الهلاك، وجوز ابن هشام في المغنى أن يكون أن وصلتها معمول {يَرَوْاْ} وجملة {كَمْ أَهْلَكْنَا} معترضة بينهما وأن يكون معلقًا عن {كَمْ أَهْلَكْنَا} وأنهم إليهم لا يرجعون مفعولًا لأجله، قال الشمني: ليروا والمعنى أنهم علموا لأجل أنهم لا يرجعون اهلاكهم.ورد بأنه لا فائدة يعتد بها فيما ذكر من المعنى.وتعقبه الخفاجي بقوله: لا يخفى أن ما ذكر وارد على البدلية أيضًا، والظاهر أن المقصود من ذكره إما التهكم بهم وتحميقهم وإما إفادة ما يفيد تقديم {إِلَيْهِمُ} من الحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكدًا له اه وهو كما ترى، وقال الجلبي: لعل الحق أن يجعل أول الضميرين لمعنى {كَمْ} وثانيهما للرسل وان وصلتها مفعولًا لأجله لأهلكناهم، والمعنى أهلكناهم لاستمرارهم على عدم الرجوع عن عقائدهم الفاسدة إلى الرسل وما دعوهم إليه فاختيار {لاَ يَرْجِعُونَ} على لم يرجعوا للدلالة على استمرار النفي مع مراعاة الفاصلة انتهى.وهو على بعده ركيك معنى، وأرك منه ما قيل الضميران على ما يتبادر فيهما من رجوع الأول لمعنى {كَمْ} والثاني لمن نسبت إليه الرؤية وأن وصلتها علة لاهلكنا، والمعنى أنهم لا يرجعون إليهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب وجزاء الاستهزاء حق ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم، ونقل عن الفراء أنه يعمل {يَرَوْاْ} في {كَمْ أَهْلَكْنَا} وفي {أَنَّهُمْ} الخ من غير إبدال ولم يبين كيفية ذلك.وزعم ابن عطية أن أن وصلتها بدل من {كَمْ} ولا يخفى أنه إذا جعلها معمول {أَهْلَكْنَا} كما هو المعروف لا يسوغ ذلك لأن البدل على نية تكرار العامل ولا معنى لقولك أهلكنا أنهم لا يرجعون ولعله تسامح في ذلك، والمراد بدل من {كَمْ أَهْلَكْنَا} على المعنى كما حكى عن سيبويه، وأما جعل {كَمْ} معمولة ليروا والإبدال منها نفسها إذ ذاك فلا يخفى حاله، وقال أبو حيان: الذي تقتضيه صاعة العربية أن {أَنَّهُمْ} الخ معمول لمحذوف دل عليه المعنى وتقديره قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون والجملة حال من فاعل {أَهْلَكْنَا} على ما قال الغفجاي وأراه أبعد عن القيل والقال بيد أن في الدلالة على المحذوف خفاء فإن لم يلصق بقلبك لذلك فالأقوال بين يديك ولا حجر عليك.وكأني بك تختار ما نقل عن السيرافي ولا بأس به، وجوز على بعض الأقوال أن يكون الضمير في {أَنَّهُمْ} عائدًا على من أسند إليه يروا وفي {إِلَيْهِمُ} عائدًا على المهلكين، والمعنى أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين ينسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم والاهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، ويحسن هذا على الوجه المحكى عن السيرافي.وقرأ ابن عباس والحسن {أَنَّهُ} بكسر الهمزة على الاستئناف وقطع الجملة عما قبلها من جهة الإعراب.وقرأ عبد الله {أَلَمْ يَرَوْاْ مِنْ أَهْلَكْنَا فَإِنَّهُمْ} الخ على قراءة الفتح بدل اشتمال، ورد بالآية على القائلين بالرجعة كما ذهب إليه الشيعة.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي إسحاق قال: قيل لابن عباس أن ناسًا يزعمون أن عليًا كرم الله تعالى وجهه مبعوث قبل يوم القيامة؟ فسكت ساعة ثم قال: يئس القوم نحن إن نكحنا نساءه واقتسمنا ميراثه أما تقرئون {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ}.{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا و{إن} نافية و{كُلٌّ} مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، و{لَّمًّا} بمعنى إلا ومجيئها بهذا المعنى ثابت في لسان العرب بنقل الثقات فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك.وقال أبو عبد الله الرازي: وفي كونها بهذا المعنى معنى مناسب وهو أنها كأنها حرفا نفي أكد أولهما بثانيهما وهما لم وما وكذلك إلا كأنها حرفا نفي وهما إن النافية ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، وهو عندي ضرب من الوساوس و{جَمِيعٌ} خبر المبتدأ وهو فعيل بمعنى مفعول فيفيد ما لا تفيده {كُلٌّ} لأنها تفيد إحاطة الأفراد وهذا يفيد اجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض و{لَدَيْنَا} ظرف له أو لمحضرون و{مُحْضَرُونَ} خبر ثان أو نعت وجمع على المعنى، والمعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء.وقال ابن سلام: محضرون أي معذبون فكل عبارة عن الكفرة، ويجوز أن يراد به هذا المعنى على الأول.وفي الآية تنبيه على أن المهلك لا يترك.وقرأ جمع من السبعة {لَّمًّا} بالتخفيف على أن إن مخففة من الثقيلة واللا فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى أن الشأن كلهم مجموعون الخ وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية واللام بمعنى إلا وما مزيدة والمعنى كما في قراءة التشديد. اهـ.
.قال ابن عاشور: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)}.رجوع إلى قصة أصحاب القرية بعد أن انقطع الحديث عنهم بذكر الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ناصحًا لهم وكان هذا الرجوع بمناسبة أن القوم قومُ ذلك الرجل.فجملة {وما أنزلنا على قومه} الخ عطف على جملة {قيل ادخُل الجَنَّة} [يس: 26] فهي مستأنفة أيضًا استئنافًا بيانيًا لأن السامع يتشوف إلى معرفة ما كان من هذا الرجل ومِن أمر قومه الذين نصحهم فلم ينتصحوا فلما بيّن للسامع ما كان من أمره عطف عليه بيان ما كان من أمر القوم بعدَه.وافتتاح قصة عقابهم في الدنيا بنفي صورة من صُور الانتقام تمهيد للمقصود من أنهم ما حلّ بهم إلا مثل ما حلّ بأمثالهم من عذاب الاستئصال، أي لم ننزل جنودًا من السماء مخلوقة لقتال قومه، أو لم ننزل جنودًا من الملائكة من السماء لإِهلاكهم، وما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة من مَلَك واحد أهلكتهم جميعًا.و{مِن} في قوله: {مِن بَعْدِهِ} مزيدة في الظرف لتأكيد اتصال المظروف بالظرف وأصلها {مِن} الابتدائية، وإضافة {بعد} إلى ضمير الرجل على تقدير مضاف شائع الحذف، أي بعدَ موته كقوله تعالى: {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي} [البقرة: 133].و{مِن} في قوله: {مِن جُندٍ} مؤكدة لعموم {جُنْدٍ} في سياق النفي، و{مِن} في قوله: {مِنَ السَّمَاءِ} ابتدائية وفي الإِتيان بحرف {مِن} ثلاثَ مرات مع اختلاف المعنى مُحسّن الجناس.وفي هذا تعريض بالمشركين من أهل مكة إذ قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم {أو تأتَي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراء: 92] أي تأتي بالله الذي تدّعي أنه أرسلك ومعه جنده من الملائكة ليثأر لك.فجملة {وما كُنَّا مُنزِلينَ} معترضة بين نوعي العقاب المنفي والمثبَت، لقصد الرد على المشركين بأن سنة الله تعالى لم تجر بإنزال الجنود على المكذبين وشأن العاصين أَدْوَنُ من هذا الاهتمام.والصيحة: المرة من الصياح، بوزن فعلَة، فوصفها بواحدة تأكيد لمعنى الوحدة لئلا يتوهم أن المراد الجنس المفرد من بين الأجناس، و{صَيْحَةً} منصوب على أنه خبر {كَانَتْ} بعد الاستثناء المفرّغ، ولحاق تاء التأنيث بالفعل مع نصب {صَيْحَةً} مشير إلى أن المستثنى منه المحذوف العقوبة أو الصيحة التي دلت عليها {صيحة واحِدةً} أي لم تكن العقوبة أو الصيحة إلا صيحةً من صفتها أنها واحدة إلى آخره.وقرأ أبو جعفر برفع {صَيْحَةٌ} على أن كان تامة، أي ما وقعت إلا صيحة واحدة.ومجيء إذا الفجائية في الجملة المفرعة على {إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحدة} لإِفادة سرعة الخمود إليهم بتلك الصيحة.وهذه الصيحة صاعقة كما قال تعالى حكاية عن ثمود: {فأخذتهم الصيحة} [الحجر: 73].والخمود: انطفاء النار، استعير للموت بعد الحياة المليئة بالقوة والطغيان، ليتضمن الكلام تشبيه حال حياتهم بشبوب النار وحال موتهم بخمود النار فحصل لذلك استعارتان إحداهما صريحة مصرحة، وأخرى ضمنية مكنية ورمزها الأُولى، وهما الاستعارتان اللتان تضمنهما قول لبيد:وتقدم قوله تعالى: {حتى جعلناهم حصيدًا خامدين} في سورة الأنبياء (15)، فكان هذا الإِيجاز في الآية بديعًا لحصول معنى بيت لبيد في ثلاث كلمات.وهذا يشير إلى حدث عظيم حدث بأهل أنطاكية عقب دعوة المرسلين وهو كرامة لشهداءِ أتباع عيسى عليه السلام، فإن كانت الصيحة صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود كان الذين خمدوا بها جميعَ أهل القرية فلعلهم كانوا كفارًا كلهم بعد موت الرجل الذي وعظهم وبعد مغادرة الرسل القرية.ولكن مثل هذا الحادث لم يذكر التاريخ حدوثه في أنطاكية، فيجوز أن يهمل التاريخ بعض الحوادث وخاصة في أزمنة الاضطراب والفتنة.{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)}.{ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} تذييل وهو من كلام الله تعالى واقع موقع الرثاء للأمم المكذبة الرسل شامل للأمة المقصودة بسوق الأمثال السابقة من قوله: {واضْرِبْ لَهُم مَثَلًا أصحابَ القرية} [يس: 13]، واطراد هذا السَنن القبيح فيهم.فالتعريف في {العباد} تعريف الجنس المستعمل في الاستغراق وهو استغراق ادعائي روعي فيه حال الأغلب على الأمم التي يأتيها رسول لعدم الاعتداء في هذا المقام بقلة الذين صدَّقوا الرسل ونصروهم فكأنَّهم كلهم قد كذبوا.و{العباد} اسم للبشر وهو جمع عبد.والعبد: الممْلوك وجميع الناس عبيد الله تعالى لأنه خالقهم والمتصرف فيهم قال تعالى: {رزقًا للعباد} [ق: 11]، وقال المغيرة بن حبناء: ويجمع على عبيد وعباد وغلب الجمع الأول على عبد بمعنى مملوك، والجمع الثاني على عبد بمعنى آدمي، وهو تخصيص حسن من الاستعمال العربي.والحسرة: شدة الندم مشوبًا بتلهف على نفع فائت.وحرف النداء هنا لمجرد التنبيه على خطر ما بعده ليصغي إليه السامع وكثر دخوله في الجمل المقصود منها إنشاء معنى في نفس المتكلم دون الإِخبار فيكون اقتران ذلك الإِنشاء بحرف التنبيه إعلانًا بما في نفس المتكلم من مدلول الإِنشاء كقولهم: يا خيبة، ويا لعنة، ويا ويلي، ويا فرحي، ويا ليتني، ونحو ذلك، قالت امرأة من طي من أبيات الحماسة: وبيت الكتاب: وقد يقع النداء في مثل ذلك بالهمزة كقول جعفر بن علبة الحارثي: وأصل هذا النداء أنه على تنزيل المعنى المثير للإِنشاء منزلة العاقل فيقصد اسمه بالنداء لطلب حضوره فكأن المتكلم يقول: هذا مقامك فاحْضر، كما ينادَى من يقصد في أمر عظيم، ويُنتقل من ذلك إلى الكتابة عما لحق المتكلم من حاجة إلى ذلك المنادي ثم كثر ذلك وشاع حتى تنوسي ما فيه من الاستعارة والكناية وصار لمجرد التنبيه على ما يجيء بعده، والاهتمام حاصل في الحالين.وتقدم ذلك عند قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم} في سورَة النساء (73)، وقوله: {يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} في سورة الفرقان (28).وموقع مثله في كلام الله تعالى تمثيل لحال عباد الله تعالى في تكذيبهم رسل الله بحال من يَرثي له أهله وقوعه في هلاك أرادوا منه تجنبه.وجملة {ما يأتِيهِم مِن رَسُولٍ} بيان لوجه التحسّر عليهم لأن قوله: {ياحسرة على العِبَادِ} وإن كان قد وقع بعد ذكر أهل القرية فإنه لما عمّم على جميع العباد حدث إيهام في وجه العموم.فوقع بيانه بأن جميع العباد مساوون لمن ضُرب بهم المثل ومن ضُرب لهم في تلك الحالة الممثل بها ولم تنفعهم المواعظ والنذر البالغة إليهم من الرسول المرسل إلى كل أمة منهم ومن مشاهدة القرون الذين كذبوا الرسل فهلكوا، فعُلم وجه الحسرة عليهم إجمالًا من هذه الآية ثم تفصيلًا من قوله بعد: {ألم يروا كم أهلكنا} [يس: 31]. إلخ.والاستثناء في قوله: {إلاَّ كانوا به يَستهزئون} مفرغ من أحوال عامة من الضمير في {يَأتِيهِم} أي لا يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا في حال استهزائهم به.وتقديم المجرور على {يَسْتَهْزئونَ} للاهتمام بالرسول المشعر باستفظاع الاستهزاء به مع تأتِّي الفاصلة بهذا التقديم فحصل منه غرضان من المعاني ومن البديع.{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)}.هذه الجملة بيان لجملة {ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئؤن} [يس: 30] لما فيها من تفصيل الإِجمال المستفاد من قوله: {ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} فإن عاقبة ذلك الاستهزاء بالرسول كانت هلاك المستهزئين، فعدمُ اعتبار كل أمة كذبت رسولها بعاقبة المكذبين قبلها يثير الحسرة عليها وعلى نظرائها كما أثارها استهزاؤهم بالرسول وقلة التبصر في دعوته ونذارته ودلائل صدقه.وضمير {يَرَوا} عائد إلى العباد كما يقتضيه تناسق الضمائر.والمعاد فيه عموم ادعائي كما تقدم آنفًا، فيتعين أن تخص منه أول أمة كذبت رسولها وهم قوم نوح فإنهم لم يسبق قبلهم هلاك أمة كذبت رسولَها، فهذا من التخصيص بدليل العقل لأن قوله: {قَبْلَهُم} يرشد بالتأمل إلى عدم شموله أول أمة أرسل إليها.وقيل: يجوز أن يكون ضمير {أَلم يَروا} عائدًا إلى ما عاد إليه ضمير {واضْرِب لهُمْ مَثَلًا} [يس: 13] ويكون المثَل قد انتهى بجملة {ياحَسْرَةً على العِبَادِ} [يس: 30] الآية.وهذا بعيد لأنه كان يقتضي أن تعطف الجملة على جملة {واضْرِب لهم مَثَلًا} كما عطفت جملة {وءَايَةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها} [يس: 33] الآية، وجملة {وءاية لهم اللَّيْل نسلَخُ منه النهار} [يس: 37]، وجملة {وءايةٌ لهم أنَّا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [يس: 41]، ولا مُلجىء إلى هذا الاعتبار في المعاد، وقد علمت توجيه الاعتبار الأول لتصحيح العموم.والاستفهام يجوز أن يكون إنكاريًا؛ نزلت غفلتهم عن إهلاك القرون منزلة عدم العلم فأنكر عليهم عدم العلم بذلك وهو أمر معلوم مشهور، ويجوز كون الاستفهام تقريريًا بُني التقرير على نفي العلم بإهلاك القرآن استقصاء لمعذرتهم حتى لا يسعهم إلا الإِقرار بأنهم عالمون فيكون إقرارهم أشد لزومًا لهم لأنهم استفهموا على النفي فكان يسعهم أن ينفوا ذلك.
|